الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على عبده المصطفى .. أما بعد
فقد طلب مني الأخوة الفضلاء القائمون على موقع (شبكة مشكاة الإسلامية) أن أذكر لهم شيئاً مما كُتب عن نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في كتب أهل الكتاب فنقلت لهم بعض ما أوردته في كتابي: (مسلمو أهل الكتاب وأثرهم في الدفاع عن القضايا القرآنية) وهذه البشارات نقلتها من مسلمي أهل الكتاب بمعنى أنني لم أدون أي نص أو بشارة إلا ما شهد عليه مسلم من أهل الكتاب أنه وجد هذا النص في كتابه. وقد أشرت في نهاية كل بشارة إلى اسم المهتدي الذي نقلتها منه ورقم الصفحة من كتابه ثم طابقتها على الطبعات المحدثة من ما يسمى "بالكتاب المقدس" ونتيجته لأن بعض هؤلاء المهتدين ينقلون لنا من نسخ قديمة جداً كالطبري الذي كان معاصراً للمتوكل ولأن اليهود والنصارى يقومون بعمل تصحيح لكتابهم بين آونة وأخرى ويضيفون ويحذفون من العبارات ما يشاؤون فقد يجد الباحث صعوبة المقارنة بين النص الذي أورده المهتدي والنص الموجود في الطبعات الحديثة للكتاب المقدس المزعوم لكن العبرة بشهادة هؤلاء المهتدين ونقلهم لهذه النصوص.
وليعلم القارئ أن هذه البشارات موجودة في كتب كثيرة سواء في بعض دواوين السيرة أو في مصنفات الجدل مع أهل الكتاب مثل كتاب الجواب الصحيح لابن تيمية وهداية الحيارى لابن القيم .
وإظهار الحق لرحمة الله الهندي والفارق بين المخلوق والخالق لعبدالرحمن باجه جي أو كتاب أحمد السقا البشارة بنبي الإسلام وكذلك مصنفات المهتدين من أهل الكتاب مثل كتاب:
1. الدين والدولة لعلي بن ربّن الطبري.
2. تحفة الأريب في الرد على أهل الصليب لعبد الله الترجمان.
3. النصيحة الإيمانية في فضيحة الملة النصرانية للمتطبب.
4. إفحام اليهود للمسئول بن يحيى المغربي.
5. مسالك النظر في نبوة سيد البشر لسعيد بن الحسن الاسكندراني.
6. محمد صلى الله عليه وسلم في الكتاب المقدس لعبد الأحد داود.
7. محمد نبي الحق لمجدي مرجان.
8. محمد صلى الله عليه وسلم في التوراة والإنجيل والقرآن لإبراهيم خليل أحمد.
وغيرها كثير. وقد جمعت جميع الأدلة والبشارات التي استدل بها هؤلاء وغيرهم وضمنتها كتابي السابق ذكره.
كما أن هناك من صنف مصنفات خاصة ببشارات أصحاب الأديان السابقة بهذا النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم وكذا صنفت مصنفات خاصة تحمل بين دفتيها شهادات الكتاب المعاصرين المعتبرين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ككتاب : إلى الدين الفطري الأبدي.. تأليف مبشر الطرازي الحسيني من علماء تركستان. وهو من منشورات مكتبة الخانجي – القاهرة.
د. محمد بن عبد الله السحيم
--------------------------------------------------------------------------------
بشارات العهد القديم
البشارة الأولى: رؤيا رآها يعقوب عليه السلام في منامه، وذلك أنه رأى سلماً منصوباً من الأرض إلى السماء، وله خمس درجات، ورأى في منامه أمة عظيمة صاعدة في ذلك الدرج والملائكة يعضدونهم، وأبواب السماء مفتوحة فتجلى له ربه قائلاً: يا يعقوب أنا معك أسمع وأرى، تمن يا يعقوب. فقال: يا رب من أولئك الصاعدون في ذلك الدرج ؟ فقال الله له: هم ذرية إسماعيل. فقال يا رب بماذا وصلوا إليك ؟ فقال: بخمس صلوات فرضتهن عليهم في اليوم والليلة فقبلوهن وعملوا بهن فلما استيقظ يعقوب من منامه فرض على ذريته الخمس الصلوات، ولم يكن الله سبحانه وتعالى قد فرض على بني إسرائيل صلاة في التوراة إلا القرابين يقربونها، وما زالت بنو إسرائيل وعلماؤهم يصلون الصلوات الخمس إتباعاً لسنة جدهم يعقوب عليه السلام، ولم تزل أنبياء بني إسرائيل عليهم السلام يبشرون بظهور محمد صلى الله عليه وسلم ، ويتمنون أن يكونوا في زمانه.
البشارة الثانية: أن يعقوب عليه السلام لما دنت وفاته جمع أولاده وقال لهم: (تقربوا إليّ أقول لكم ما يظهر آخر الزمان. فلما اجتمعوا قال لهم: ما تعبدون من بعدي ؟ قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلهاً واحداً، قال الإسكندراني: (ولم يوجد في التوراة أنه ذُكر شيء مما وعد به، بل مكتوب في التوراة أنه دعا لهم وتوفى، علم من ذلك أنهم محوا اسم النبي محمد صلى الله عليه وسلم من هذه الآية.
قلت: إن الله صرفهم عن محو اسم النبي صلى الله عليه وسلم من وصية يعقوب، ففي هذا الإصحاح وبعد هذه الفقرة بفقرات يسيرة يرد إخبار يعقوب لأبنائه بما سيكون في آخر الزمان، وقد بقى هذا الإخبار إلى الآن يحمل بعض ألفاظه العبرية، وهو قول يعقوب عليه السلام: (لا يزول صولجان من يهوذا أو مشرّعٌ من بين قدميه حتى يأتي شيلوه، ويكون له خضوع الشعوب)، وقد منّ الله على المهتدي عبد الأحد داود فكشف اللثام عن هذه الوصية، وفي الأسطر التالية اقتبس بعض استدلالاته واستنتاجاته على أن هذه البشارة خاصة برسولنا محمد صلى الله عليه وسلم ، وهذه الاستدلالات هي:
1. أن كلمة "شيلوه" كلمة فريدة في العهد القديم، ولا تكرر في أي مكان آخر في العهد القديم.
2. أن كلمة شيلوه تتكون من أربعة أحرف عبرية هي: "شين"، "يود"، "لاميد"، "وهي"، وتوجد بلدة اسمها شيلوه ولكن لا يوجد فيها حرف "يود"، ولذلك لا يمكن أن يكون الاسم مطابقا أو مشيراً للبلدة، إذاً فالكلمة حيثما وجدت تشير إلى شخص وليس إلى مكان.
3. أن هذه العبارة اشتملت على ضمير لغير العاقل، وقد يشير إلى القضيب أو الصولجان، أو المشرع بصورة منفصلة أو مجتمعة، وربما يشير للطاعة، وعليه فإن معنى العبارة: (إن الطابع الملكي المتنبي لن ينقطع من يهوذا إلى أن يجئ الشخص الذي يخصه هذا الطابع، ويكون له خضوع الشعوب).
4. بعد أن أورد بعض تحولات الترجمة لهذه الكلمة بين العبرية والسريانية قال: يمكن أن تقرأ هذه العبارة بالصورة التالية: (حتى يأتي الشخص الذي تخصه..)
5. أن الكلمة "شيلوه" مشتقة من الفعل العبري "شله" وهي تعني المسالم والهاي والوديع والموثوق.
6. من المحتمل أنه تم على هذه العبارة تحريف متعمد فتكون "شالوه" فحينئذ يكون معناها "شيلوح" وهذه العبارة مرادفة لكلمة "رسول ياه" وهو نفس اللقب الموصوف به محمد صلى الله عليه وسلم "وشيلواح إلوهيم" تعني: رسول الله.
7. لا يمكن أن تنطبق هذه البشارة على المسيح حتى لو آمن اليهود بنبوته، لأنه لا توجد أي من العلامات أو الخصائص التي توقعها اليهود في هذا النبي المنتظر في المسيح عليه السلام، فاليهود كانوا ينتظرون مسيحاً له سيف وسلطة، كما أن المسيح رفض هذه الفكرة القائلة بأنه هو المسيح المنتظر الذي تنتظره اليهود.
8. أن هذه النبوة قد تحققت حرفيا وعملياً في محمد صلى الله عليه وسلم ، فالتعابير المجازية "الصولجان" و "المشرع" قد أجمع الشراح المعلقون على أن معناها السلطة الملكية والنبوة. وهذا يعني علمياً أنه صاحب الصولجان والشريعة، أو الذي يملك حق التشريع وتخضع له الشعوب.
9. لا يمكن أن تنطبق هذه البشارة في حق موسى، لأنه أول منظم لأسباط بني إسرائيل، ولا في حق داود، لأنه أول ملك فيهم.
10. لو تم تفسير "شيلوه" بـ "شالا" الآرامية فهي تعني: هادي ومسالم وأمين، وهذا يتفق مع تفسير "شله" العبرية. وقد كان محمد صلى الله عليه وسلم قبل الرسالة هو الأمين، وهو محل الثقة، وهو المسالم الهادي الصادق. وبعد هذه المحاولات التفسيرية والترجمة ينتقل المهتدي عبد الأحد إلى إلزام الخصم بهذه النبوة ومدلولاتها وهي ما يلي:
1. أن الصولجان والمشرع سيظلان في سبط يهوذا طالما أن شيلوه لم يظهر.
2. بموجب ادعاء اليهود في هذا "الشيلوه" فإن شيلوه لم يظهر، وأن الصولجان الملكي والخلافة تخصان ذلك السبط، وقد انقرضنا منذ أكثر من ثلاثة عشر قرناً.
3. أن سبط يهوذا اختفى مع سلطته الملكية وشقيقتها الخلافة النبوية، ومن الشروط الأساسية لظهور "الشيلوه" إبقاء السبط على وجه الأرض يعيض في أرض آبائه، أو في مكان آخر بصورة جماعية.
4. اليهود مضطرون أن يقبلوا واحداً من الخيارين: إما التسليم بأن "شيلوه" قد جاء من قبل، وأن أجدادهم لم يتعرفوا عليه. أو أن يتقبلوا أن سبط يهوذا لم يعد موجوداً، وهو السبط الذي ينحدر منه "شيلوه".
5. أن النص يتضمن بصورة واضحة ومعاكسة جداً للاعتقاد اليهودي والنصراني – أن "شيلوه" غريب تماماً على سبط يهوذا وبقية الأسباط، لأن النبوة تدل على أنه عندما يجيء "شيلوه" فإن الصولجان والمشرع سوف يختفيان من سبط يهوذا، وهذا لا يتحقق إلا إذا كان "شيلوه" غريباً عن يهوذا، فإن كان "شيلوه" منحدراً من يهوذا فكيف ينقطع هذان العنصران من ذلك السبط، ولا يمكن أن يكون "شيلوه" منحدراً من أي سبط آخر، لأن الصولجان والمشرع كانا لمصلحة إسرائيل كلها، وليس لمصلحة سبط واحد. وهذه الملاحظة الأخيرة تقضي على الادعاء النصراني في أن المسيح هو "شيلوه"، لأن المسيح منحدر من يهوذا من جهة أمه.